المربي الفاضل

                     L'Educateur Vertueux                 

تمهيد للنص:

كتِبَتْ هذه الكلمة بمناسبة افتتاح موقع فضيلة الشيخ زين العابدين بن الحسين الجزائري الأصل والتونسي المولد، وأرْسِلتْ مع تهنئة بالحدث إلى أبنائه الأفاضل بدمشق. 

وُلِدَ فضيلة الشيخ عام 1305 هـ الموافق 1888م في مدينة تونس العاصمة. درس في جامع الزيتونة ثم هاجر إلى دمشق عام 1912م ضمن أفراد العائلة رفقة أخيه الإمام محمد الخضر حسين الذي أصبح شيخا للأزهر بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1952. نال شهادة مدرسة الأدب العليا من الجامعة السورية عام 1933م. أمضى خمسة و ثلاثين عاما في ميدان التربية والتعليم ,عمل خلالها في مختلف المدارس الابتدائية و الثانوية و دار المعلمين مدرساً للعلوم الاسلامية و العربية, وألقى دروساً في الجامع الأموي وفي مختلف مساجد دمشق.

توفي الشيخ رحمة الله عليه يوم الجمعة 23ذي القعدة 1397هـ الموافق 4 نوفمبر 1977م. أهم مؤلفاته اللغوية: المعجم في القرآن، المعجم المدرسي، المعجم في النحو والصرف. وأهم مؤلفاته الدينية: ذكرى المولد النبوي، الدين والقرآن، دروس الوعظ والإرشاد.

للاطلاع على سيرة الشيخ العطرة مفصلة، والاستفادة من مؤلفاته وتحميلها يرجى زيارة موقعه في العنوان التالي:                  www.zein-tounsi.com

فضيلة الشيخ زين العابدين بن الحسين

" لم أكن من تلاميذه، ولم أدرس في قسم أو صف من الصفوف التي علم فيها، ولكني تعلمت منه الكثير، وكان قدوة لي في التعليم والحياة.

كان عالما لغويا وفقيها ومربيا فاضلا. وكان إلى جانب ذلك كله إنسانا بكل معنى الكلمة في تعامله مع الناس، عطوفا رحيما في تعامله مع أسرته الصغيرة والكبيرة وأقربائه الذين يضمهم تحت جناحه ويحيطهم بالعناية والرعاية، ولا غرو في ذلك، فقد كان يعتبر صلة الرحم من أهم مكارم الأخلاق.

تربت والدتي السيدة صفية وأختها السيدة حبيبة بعد موت أبيهما وأمهما وأخيهما في دار عمهما فضيلة الشيخ وهما طفلتان صغيرتان فتولى رعايتهما مع أخته السيدة ميمونة فكان لهما أبا عطوفا وكانت لهما أخته أما رؤوما، وعاشتا في كنفه حتى تزوجتا. وحين مات أبي الشيخ قدور خمار رحمه الله تركنا صغارا فأخذ فضيلة الشيخ على عاتقه رعايتنا. كنا ثلاثة أولاد وبنت أكبرنا في السادسة عشرة وهو أخي محمد. استأجر لنا دارا قريبة من داره ليشرف على تربيتنا وتدبير شؤوننا، وحرص على تعليمنا وعاملنا مع زوجته السيدة أم كاظم رحمها الله كما يعاملان أولادهما.

كنا في كل عيد أو موسم نجتمع في داره ونبيت عنده. وبعد صلاة الفجر تبدأ الأذكار والأناشيد التربوية الممتعة التي تثري بكلماتها وتعابيرها الجميلة لغتنا وتهذب بمعانيها العظيمة وجداننا وترقق بألحانها العذبة أحاسيسنا. وأما السهرات فنقضيها في الألعاب التربوية الجماعية المسلية والألغاز التي تنمي عقولنا وذكاءنا وتقوي ملكتي التفكير والمحاكمة. وكان رحمه الله فائق الذكاء، مرحاً، خفيف الروح، يحب الدعابة، ومحدثا بارعا يمتاز بأسلوب شيق، بعيد عن الجفاف، محبب إلى نفوس الصغار والكبار. وكنا ننتظر تلك السهرات بفارغ الصبر لما فيها من متعة وتسلية وفائدة.

كان سيدي العم الجليل يحب الطبيعة، ويحرص على اصطحاب العائلة كلها للنزهة في أحضانها. ما زلت أذكر حين كنا أيام الطفولة وحتى قبل وفاة والدي نركب الترام من الميدان إلى المرجة ثم إلى دوما ونقضي النهار كله في بساتينها في لعب ومرح وطعام وقهوة وشاي وأسئلة لغوية ونحوية. تعرفنا منذ نعومة أظفارنا على بساتين الغوطة والجُدَيْدة وعين الخضرا وتل منين وعلى مصايف مضايا وبقين والزبداني وبلودان، كما كان يأخذ بعض أفراد العائلة بالتناوب إلى بيروت وطرطوس.

كان فضيلته مضيافا تعج داره بالزوار من كل الفئات الاجتماعية. هناك تعرفنا إلى كثير من رجالات العلم والأدب والسياسة في دمشق والجزائر وتونس، لكنه كان زاهدا في الشهرة والمناصب. حظي بحب الجميع واحترامهم لأنه كان عفيفا يترفع عن الدنايا. يلجأ إليه أهل الحي فيتدخل لفض النزاعات الفردية والعائلية، ويتمكن بحكمته من إحلال الصلح وإنهاء الخصومات.

لم يبخل علينا فضيلة الشيخ بماله ولا جاهه، وكلما واجهت أحدنا مشكلة يجده إلى جانبه. أذكر حين تقدمت إلى امتحان القبول بدار المعلمين الابتدائية بدمشق، وسألني الأستاذ عبد الرزاق باجقني رحمه الله ـ وكان عضوا في لجنة الامتحان ـ بعض الأسئلة في اللغة والنحو. ابتسم حين أجبته وقال لي: " والله أنت تبيّض الوجه. لقد أوصاني بك فضيلة الشيخ زين العابدين". لم أكن أعرف أنه أوصى بي، ولم يعرف الأستاذ باجقني أن الفضل في إجاباتي الوافية على أسئلته في اللغة والنحو يعود لكتابي فضيلة الشيخ: "المعجم المدرسي" و"المعجم في النحو والصرف" اللذين رافقاني طيلة حياتي المدرسية واستفدت منهما فوائد جمة. وحين تخرجت من دار المعلمين وعينت في محافظة درعا ذهب بي إلى مدينة درعا وأوصى بي بعض معارفه وتلاميذه من المفتشين والإداريين هناك كي لا أحس بالغربة.

وحين أصبحت معلما في الابتدائي ثم أستاذا في الثانوي كان هو القدوة التي كنت أدعو الله أن يمنحني بعضا من دماثة خلقه وتسامحه وتواضعه وزهده في المناصب. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه ونفعنا ونفع أبناءنا وبناتنا بعلمه وبكتبه".

 

الجزائر    عبد الله خمّار